الخابور
استعرض مرصد "بصمة لحقوق الإنسان" في تقرير الآثار الكارثية الناجمة عن فرض ميليشيا حزب "الاتحاد الديمقراطي – ب ي د" المناهج غير المعترف بها في المدارس الواقعة بمناطق سيطرتها.
وقال التقرير إنه "منذ سيطرة قسد على المنطقة، فرضت “الإدارة الذاتية” مناهج محلية جديدة، وأغلقت المدارس التي كانت تتبع مناهج وزارة التربية السورية. هذه المناهج، رغم أنها تدمج اللغة الكردية أو السريانية إلى جانب العربية، تفتقر إلى الاعتراف الرسمي من الحكومة السورية أو أي جهة دولية، ما يجعل شهاداتها غير صالحة للقبول في الجامعات داخل سوريا أو خارجها. وقد وثقت تقارير حقوقية وصحفية رفض الجامعات السورية قبول أي شهادات صادرة عن مدارس الإدارة الذاتية".
وأشار المرصد إلى أن التقديرات بين عامي 2023–2024 تشير إلى وجود نحو 850–860 ألف طالب يتلقون تعليمهم في ما يقارب 4,200 مدرسة تخضع لهذا النظام، وفق تقارير North Press و Syria Direct. في الحسكة، حيث تتوزع ثلاث سلطات على إدارة التعليم (الحكومة السورية، الإدارة الذاتية، ومدارس تابعة للكنائس)، يعاني الأهالي من انقسام المناهج وتشتت المرجعيات، فيما يدفع المدنيون الثمن السياسي لهذه التجاذبات، كما ورد في دراسة مؤسسة فريدريش إيبرت (FES).
أضاف أنه "رغم ذلك، تبقى المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية السورية مكتظة بالطلاب مقارنة بمدارس الإدارة الذاتية، وهو ما يعكس رفض الأهالي، بمن فيهم الكثير من المواطنين الأكراد، الاعتماد الحصري على المنهاج المحلي. هؤلاء عبروا عن رغبتهم الصريحة في استمرار وجود التعليم الحكومي الرسمي باعتباره الضامن لمستقبل أبنائهم الأكاديمي والمهني. تقارير العربي الجديد تؤكد أن أولياء الأمور يفضّلون الازدحام في مدارس الدولة السورية على إرسال أبنائهم إلى مدارس ذات شهادات غير معترف بها".
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2025، وبوساطة من منظمة اليونيسف، جرى الاتفاق بين وزارة التربية السورية والإدارة الذاتية على فتح مراكز امتحانية حكومية داخل مناطق شمال شرق سوريا. هذه الخطوة سمحت لعشرات الآلاف من طلاب الصفين التاسع والثانوي بتقديم امتحاناتهم الوطنية في الحسكة والرقة ودير الزور والقامشلي، وذلك للمرة الأولى منذ قرابة عقد. مثلت هذه المبادرة خطوة مهمة نحو إنقاذ مستقبل الطلاب، غير أنها لا تعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في المناهج اليومية غير المعترف بها، والتي ستبقى عائقاً أمام مئات الآلاف من الطلاب في المراحل الابتدائية والإعدادية.
وقال إن غياب الاعتراف بشهادات الطلاب في شمال شرق سوريا يهدد مستقبل جيل كامل. الأطفال معرضون لفقدان فرص التعليم الجامعي والمهني، ما يزيد من احتمالية تسربهم من المدارس وانخراطهم المبكر في سوق العمل. أما الأسر، فهي تعيش ضغوطاً نفسية ومادية كبيرة، إذ تضطر إلى البحث عن بدائل مرهقة مثل الدروس الخصوصية أو تهريب أبنائها إلى مناطق خاضعة للحكومة السورية لإتمام تعليمهم. على مستوى المجتمع، يعزز هذا الوضع الانقسام اللغوي والسياسي، ويضعف اللحمة الاجتماعية، فضلاً عن تهديده بإنتاج “جيل ضائع” يفتقر إلى الاعتراف الأكاديمي والمعارف المعاصرة. كما أن المعلمين يواجهون بيئة عمل مسيّسة وقمعية، حيث يتعرضون للاعتقال أو التهديد لمجرد تمسكهم بالمناهج الحكومية.
وحمل المرصد المسؤولية الأولى على سلطات الأمر الواقع في مناطق سيطرة قسد، التي ينبغي أن توقف فرض المناهج غير المعترف بها، وأن تتيح خيار التعليم بالمنهاج الوطني السوري أو بمسار مكافئ معترف به دولياً. كما يجب عليها وقف جميع أشكال التضييق على المعلمين والطلاب.
وبحسب التقرير، فإن الحكومة السورية، ورغم فقدانها السيطرة المباشرة على هذه المناطق، تظل مسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن حق مواطنيها في التعليم. يشمل ذلك توفير بدائل رسمية مثل التعليم عن بعد عبر منصات رقمية أو قنوات تلفزيونية، وتوسيع تجربة المراكز الامتحانية داخل مناطق الإدارة الذاتية بشكل دوري ومستدام.
أما المجتمع الدولي، ممثلاً باليونيسف واليونسكو وشركاء التعليم في حالات الطوارئ، فهو مطالب بتقديم الدعم المالي والتقني لإيجاد حلول معترف بها، وضمان مراقبة الانتهاكات وتوثيقها بشكل مستقل، وتمويل البنية التحتية للتعليم عن بعد بما يشمل الإنترنت والأجهزة وتدريب المعلمين.
وعن الحلول، أشار المرصد إلى أن من أبرز الحلول الممكنة، وهو حل وافقت عليه الحكومة السورية مبدئياً، أن يُتاح للطلاب دراسة لغاتهم المحلية كجزء من المنهاج، مع استمرار تدريس المناهج الوطنية المعترف بها التي تضمن مستقبلهم الأكاديمي. كذلك، يمكن توسيع تجربة الجامعة الافتراضية السورية لتشمل التعليم الأساسي والثانوي، عبر إنشاء مراكز نفاذ امتحانية في المدن الرئيسية، وتوفير محتوى رقمي وتلفزيوني ومطبوع لضمان وصول التعليم إلى جميع الطلاب، حتى في المناطق النائية.
كما يجب حماية الفضاء التعليمي من أي استخدام عسكري أو أمني، وضمان عدم تعرض المعلمين والطلاب للاعتقال أو التضييق.
وختم التقرير بأنن أزمة التعليم في مناطق سيطرة قسد ليست مجرد قضية محلية مرتبطة بصراع المناهج، بل هي قضية حقوق إنسان بالدرجة الأولى. إن حرمان مئات آلاف الأطفال من الاعتراف بشهاداتهم يقوض مستقبلهم، ويشكل تهديداً للتنمية والاستقرار في البلاد بأسرها. تقع المسؤولية على عاتق جميع الأطراف المعنية، بدءاً من الإدارة الذاتية، مروراً بالدولة السورية، وصولاً إلى المجتمع الدولي، لضمان أن يبقى التعليم حقاً أساسياً لا أداة للصراع السياسي.