د.مأمون سيد عيسى- الخابور

في 27 تشرين الثاني 2024أطلقت الفصائل المنتشرة في محافظة إدلب -المنضوية سابقا تحت ما يعرف بغرفة عمليات الفتح المبين عملية "ردع العدوان"، وشكلت من أجلها ما يسمى "إدارة العمليات المشتركة" التي ضمت كلا من هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير.

من المؤكد وجود تحديات كبيرة تعترض هذه العملية حيث لا تقتصر المساحة المحررة ضمن عملية ردع العدوان على مدينة حلب التي يتجاوز عدد سكانها المليوني نسمة بل لدينا مناطق كثيرة تم تحريرها في ارياف حلب وادلب وحماة تعادل مساحتها ما يقارب ربع مساحة لبنان مما يضاعف التحديات في عملية إدارة هذه المناطق ويمكننا أن نعتبر ان تلك المناطق وعلى راسها مدينة حلب هي ضمن مخاض عسير و أن المستقبل مجهول امامها حيث ستواجه جملة من التحديات أهمها :

أولا التحديات الأمنية

هنالك العديد من التحديات في توفير الأمن والاستقرار للمدنيين في مدينة حلب ولمناطق المحررة حديثاً.

1-محاولة النظام وحلفاؤه الهجوم على حلب بهدف استردادها وقد لاحظنا تهديدات عراقية عبر تصريحات رئيس الوزراء العراقي مفادها ان أمن سوريا يرتبط بأمننا القومي إضافة لتهديدات التصعيد الروسي والإيراني ولا يعرف ما هو حجم التداخلات العسكرية المتوقعة مستقبلا.

2-القصف الروسي وقصف النظام الذي قد يعمل بشكل ممنهج على تدمير الأماكن الحيوية من مدينة حلب والمناطق المحررة حديثا بذرائع عديدة منها بطلان اتفاقات أستانا واتهام قوات الثوار بالإرهاب رغم وضوخ صورة المعاملة الراقية للأسرى للمدنيين من قبل ثوار معركة ردع العدوان وعدم وجود انتهاكات لحقوق الانسان لديهم كذلك شاهد العالم كيف يعمل الثوار على المحافظة على المنشآت الحيوية والبنوك في مدينة حلب.

لقد لاحظنا زخم في قصف الروس للمناطق المحررة بتاريخ 2-12-2024 خلافا للأيام الأولى من العملية العسكرية وهذا قد يثير التخوف حول سياسة ايران وروسيا القادمة بما يتعلق بالمناطق المحررة حديثا

3-عمليات الاغتيال التي لوحظ انها بدأت بوجود اعداد كبيرة من الشبيحة كخلايا نائمة في المدينة إضافة الى بقايا المليشيات الإيرانية وقد لاحظنا اغتيال لموظفين من احدى المنظمات التي قدمت للعمل في حلب عند دوار الليرمون من قبل عناصر ال ب ك ك وهذه العمليات تهدد مع تصاعدها أمن المدنيين مع صعوبة تمشيط المدينة من قبل فصائل ردع العدوان.

4-المحافظة على مؤسسات تعليمية وخدمية ومراكز الخدمات ودوائر الدولة من أي عمليات تعدي قد تصيبها

ثانيا التحديات الإدارية والخدمية

1-هنالك صعوبات كبيرة في قيام القيادات العسكرية لعملية ردع العدوان وحكومة الإنقاذ بمهام إدارة مدينة كبيرة مثل حلب بينما كانت إدارة حكومة الإنقاذ سابقا تقتصر على مدينة صغيرة هي ادلب مع جزء من ريفها ويتطلب إدارة مدينة بحجم حلب آليات حكم فعالة وقادرة على تلبية احتياجات السكان ويتطلب مشاركة اهل المناطق في إدراتها مع الاعتماد على التكنوقراط وخبرات في تلك الادارة.

2-مغادرة كوادر إدارية من المرتبطين سياسيا وعسكريا بالنظام وايران مدينة حلب أماكن عملها في مؤسسات الدولة وما قد يترك ذلك من فراغ إداري.

3-صعوبة تأمين التمويل لسير عمل دوائر ومؤسسات الدولة خاصة الخدمية منها مثل المؤسسات المعنية بالنظافة والتعليم والمياه والصحة والكهرباء بشكل مستدام إضافة إلى ضرورة تامين وقود للسكان ونحن في فصل الشتاء.

تحتاج تلك الخدمات إلى ميزانيات ضخمة من الصعب تأمينها خاصة إذا لم يتم تامين دعم دولي مخصص لتلك الاحتياجات مع وجود انخفاض كبير في الدعم الدولي لسوريا كمثال المحطة الحرارية في حلب تحتاج الى كميات كبيرة من الوقود لتشغيلها وتامين الكهرباء للمدينة.

4-تحدي الخدمات الطبية حيث فرغت حلب في اول يومين من العملية العسكرية من أي خدمات طبية وقد دخلت حكومة الإنقاذ وعدة منظمات لتشغيل مشفى الجامعة واجتمعت مع كوادر المشفى وادارته منذ يومين وسيكون هنالك ضغط كبير على المشفى بسبب إغلاق المشفى العسكري ومشفى الرازي إضافة الى تفاقم مشكلة نقص الأطباء والمعدات الطبية حيث سيمثل ذلك تحدياً كبيراً.

5-توقف رواتب الموظفين مما يعيق العمل الإداري في الدوائر الحكومية والمؤسسات

6-صعوبة تامين الخدمات للفئات الضعيفة مثل كبار السن والمرضى والنساء من الطبقة المسحوقة مع ارتفاع شريحة الفقر في المنطقة حسب تقارير دولية عديدة

7-تمترس حكومة الإنقاذ في إدارة المدينة وعدم تحويل الإدارة لمجالس محلية او مجالس من التكنوقراط من اهل المدينة ولا يمكن حكم هكذا مدينة من قبل فصيل عسكري.

ثالثا التحديات الاقتصادية

1--ارتفاع الأسعار المواد الذي لوحظ بعد دخول الفصائل وما له من تاثير كبير على معيشة السكان 

2-اختلاف العملة بين مناطق سيطرة المعارضة ومدينة حلب التي تتعامل بشكل رئيسي بالليرة السورية.

3-إعادة تأهيل المنشآت التي يقوم الروس والنظام بقصفها حيث يتطلب إعادة بناء هذه المنشآت موارد ضخمة، وتعاون دولي، إلا أن استمرار الصراع وغياب الدعم الدولي الفعّال يمنع ذلك.

4-عودة العديد من السكان المدنيين في حلب من الذين تم تهجيرهم من مناطقهم سابقا وما يشكل ذلك من ضغوطات اقتصادية كبيرة من حيث ارتفاع شريحة المحتاجين

5-سيظهر اعتبارا من الشهر القادم مشكلة تأمين الرواتب لأعداد كبيرة من الموظفين والمتقاعدين وهي مهمة رغم قلتها.

 

رابعا التحديات الاجتماعية.

1-تحول حلب من حالة مستقرة بعيدة عن المعارك والقصف الى وضع مجهول

بوجود عناصر متعددة من الفصائل من الصعوبة بمكان ضبط تصرفاتها الاجتماعية تجاه الطوائف المختلفة في حال اقحام ايديولوجيات في تلك التصرفات.

2-احتمال ظهور تصرفات غير منضبطة في مجال حقوق الانسان لدى الفصائل مثل التعامل مع أسرى النظام بالتالي يجب ان تكون قيادة عملية ردع العدوان على درجة عالية من الذكاء في التعامل مع المجتمع المحلي والدولي بنفس الوقت الذي يراقب تصرفاتها بدقة 

3-وجود تشكيلة كبيرة في مدينة حلب من الطوائف والقوميات والأديان والاعراق غير موجود في مناطق غيرها ربما يشكل ذلك مزيج متفجر إذا عمل النظام على اللعب على ذلك الوتر

4-خلق شرخ بين سكان المدينة والفصائل عند تحويل المسؤولية عن القصف الذي يقوم به النظام والروس الى الفصائل بدل توجيه الى النظام وحلفاءه المجرمين.

 

خامسا التحديات السياسية

1-هنالك ترقب للمجتمع الدولي ومتابعة دقيقة للوضع في حلب وتحدياته السياسية وقد لوحظ-عدم وجود تغطية دولية سياسية للعملية وهنالك حذر التركي تجاه عملية ردع العدوان يصل الى درجة تحييد تركيا نفسها عنها حيث من المتوقع ان يتوجه الدعم التركي تجاه العمليات العسكرية للجيش الوطني في مناطق سيطرة قسد

2-الدعم الحذر للائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة للعملية، حيث أوضح بيان الائتلاف وكذلك بيان الحكومة المؤقتة ان القيادات العسكرية في تلك المناطق أطلقت عملية لمجابهة مخططات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له، ولتأمين حماية المدنيين وعودة النازحين والمهجرين إلى قراهم وبلداتهم عودة طوعية وآمنة وكريمة

ويبدو عدم وجود رغبة للحكومة المؤقتة بإقحام نفسها في عملية تقديم الخدمات وإدارة مدينة حلب وغيرها من المناطق المحررة.

4-الخشية من ان تكون عملية ردع العدوان هي توسيع لمنطقة سيطرة المعارضة ومن ثم الوقوف عند حدود معينة وتثبيتها ضمن كيانات تتبلور في سوريا تمهيدا لتفكيك سوريا.

5-ان يتم استغلال سيطرة فصائل المعارضة العسكرية كذريعة لتدمير مناطقها خاصة المدن المحررة حديثا بذرائع الإرهاب حيث نجد ان العديد من القنوات الإعلامية الكبيرة وتصريحات غربية تعمل على وسم فصائل عملية ردع العدوان بالإرهاب.