الخابور - ماجد الديري
الحقيقة التي لن يقفز عليها العقل البشري أيّاً كان مستواه الفكري والإعلامي، أن روسيا مبدئياً مُنيت بهزيمة نكراء أمام الجيش الأوكراني، وحتى لو كانت الانسحابات الروسية من هذه المساحات الواسعة تكتيكية، فهي قد أجبرت على ذلك مرغمة.
هذه الضربة الموجعة التي تلقاها الجيش الروسي، جاءت لتقنع العالم بوجهة النظر السورية التي تنبأت بهزيمة روسيا متجاوزة بتحليلها للأحداث أنها دولة عظمى، فجاء الواقع مطابقاً لتحليل أصغر محلل سوري عمرياً.
هذا التوقع المسبق من السوريين، المطابق لهزيمة الروس في أوكرانيا يفتح شهية القارئ على الأسئلة التي يتصدرها؛ كيف نجح السوريون على اختلاف مستويات أعمارهم بقراءة الأحداث، ومنحها نتيجة مسبقة تحققت بشكلٍ واضح وصريح، وبالفعل فاحت منها رائحة الهزيمة الروسية!
السوريون لم يخطئوا؛ لأنَّ الحربَ على الثورة السورية علمتهم الكثير، وتكالب الدول العظمى عليهم صقل معرفتهم بطبيعة تلك الدول ومتى وكيف تهزم.
السوريون عندما يحصون قتلاهم من الطيران الروسي، وتصل الأرقام إلى الآلاف من الضحايا جلهم من الأطفال والنساء، وصلوا إلى نتيجة مفادها أن روسيا تمتلك أسلحة غبية ولكنها كثيرة؛ ما يجعلها تعتمد في حربها على الكثافة بالقصف العشوائي والكثير من المجازر الباهظة الضحايا والألم، وهذه النتيجة يعممها السوريون كأداة ناجحة في تحليلاتهم لواقع الدول العظمى التي تمارس اللاإنسانية في تحقيق مصالحها، هذا من ناحية أولى.
ومن ناحية ثانية، فإن روسيا اضطرت إلى خوض حربها ضد أوكرانيا بنفسها وبجيشها، بالإضافة إلى استخدام الأسلحة نفسها التي اكتشف السوريون غباءها الفائض عن أرواح العزل. بمعنى آخر؛ إن الروس لا يوجد لديهم في أوكرانيا من يخوض الحرب عنهم بالوكالة، وبالمعنى الفوق وطني، وهو من أهم اكتشافات السوريين في التحليل، إن الروس لا يمتلكون "بشاراً" في أوكرانيا كي يبيعهم البلاد ويعاونهم في قتل الشعب، وهذا يقودنا إلى البعد الوطني أن أوكرانيا تمتلك رئيساً قرر المواجهة والصمود مع شعبه ونصرتهم ضد الاعتداء السافر على إرادة بلادهم.
أمَّا أوج التحليل السوري الذي طابق الواقع بشكلٍ دقيق، فيشير إلى أنه من أسباب هزيمة الروس هو وجود دولة عظمى أخرى مثل أمريكا، خبروها تماماً على أرض بلادهم، وأصبحوا بارعين في تحليل تحركاتها، والتي إن خفي تدخلها في الحرب الأوكرانية الروسية على العالم فلن يخفى عن العقل السوري الفذ، بأنها ضالعة بقوة، وبصماتها واضحة في مساندة الأوكرانين من خلال ضخ سلاح متطور منع طائرات الروس من التجول بأجواء أوكرانيا بحرية تامة أو استخدام أسلحتهم الغبية ضد الشعب الأوكراني، أي عدم توفر بشار الأسد الذي باعهم حتى أجواء سوريا لقتل الشعب السوري، وهذه الحقائق يعرفها الأمريكان جيداً، ويعرفون نجاعة نتائجها أيضا بأنها السبب الراجح في خسران الروس.
بعد هذا كله، إلى مَن لايزال يخاتلهم السؤال "كيف نجح وأصاب السوريون في تخمين نتائج الحرب الروسية الأوكرانية؟" نقول: نحن - السوريين - تعلمنا تحليل تحركات الدول العظمى بأرواحنا وأرواح أطفالنا، فكيف لا نصيب الحقيقة في هذا العالم الصفيق.