الخابور- مرهف الشهاب
على مدار الثورة السورية، لم يترك بشار الأسد ونظامه أي فرصة تصب في مصلحته إلا وحاول استثمارها، حتى ولو كانت مبنية على مآسي السوريين ونكباتهم، وذلك من أجل الحصول على مكاسب سياسية لاستعادة شرعيته على المستوى الإقليمي والعالمي، وأخرى اقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها وتسخير كل ذلك لتعزيز سلطته، كما وساعده على ذلك دعم حلفائه وتقاعس المجتمع الدولي والعربي.
وعلى أعقاب الزلزال الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا في ٦ فبراير الماضي، أسرع نظام الأسد لاغتنام هذه الكارثة من خلال اختلاق الحملات الإعلامية لترويج روايته في تردي الأوضاع الإنسانية في سوريا نتيجة العقوبات الاقتصادية والمطالبة برفع تلك العقوبات بذريعة أنها تعيق وصول المساعدات للمتضررين من الزلزال، وجاء ذلك بالتزامن مع تحركات سياسية من قبل بعض مسؤولي النظام الذي طالبت الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات وضرورة ارسال المساعدات إلى سوريا مع حصرها عبر التنسيق والتعاون مع النظام فقط، وتفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي في مواجهة الأضرار التي خلفها الزلزال، ومن جانب آخر كانت هذه الكارثة فرصة لبعض الدول التي كانت ولاتزال تحاول إعادة الأسد ونظامه إلى الساحة الدولية وإضفاء الشرعية عليه، فأرسلت هذه الدول المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد حصراً، كما تلقى بشار الأسد العديد من الاتصالات من رؤوساء بعض الدول العربية وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجزائري عبد المجيد تبون، وقام وزير الخارجية الإماراتي عبدلله بن زايد آل نهيان بزيارة دمشق، وأعقبه بالزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، كما ولأول مرة منذ ١٢ عاماً وصل عدد من رؤوساء مجالس النواب في الدول العربية ضمن وفد برئاسة العراق إلى دمشق، بذريعة التضامن مع الشعب السوري بعد الزلزال المدمر .
في ظل كل هذا السعي والتسابق من النظام وتلك الدول التي تسعى إلى إعادة تعويمه، جاء الرد الغربي على هذه التحركات فصرحت وزارة الخارجية الفرنسية على أن النهج السياسي لفرنسا اتجاه النظام لن يتغير بعد الزلزال، وفي السياق ذاته قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن العقوبات الدولية تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري معلنة رفضها مطالب النظام في رفع العقوبات، فأعفت النظام من العقوبات المفروضة لمدة ٦ أشهر فيما يخص المعاملات المتعلقة بالزلزال فقط.
وعليه وبحسب التصريحات والمواقف الأوروبية والأمريكية وحتى بعض الدول العربية الرافضة لإعادة تدوير الأسد من جديد يمكن القول بأنه لا يبدو أن النظام سيشهد انفراجاً اقتصادياً كبيراً كما كان يتوقع عقب الزلزال، فمما لا شك فيه أيضاً أن النظام سيستغل تدفق الأموال والمساعدات إلى مناطق سيطرته لسرقتها وتعزيز سلطته، وهذا ما أكدته العديد من التسريبات التي تحدثت عن سرقة المساعدات علانية من قبل الأجهزة الأمنية وبعضها يذهب إلى الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد، وفي السياق ذاته لا يبدو أننا باتجاه تعويم سياسي قريب للأسد ولا سيما مع استمرار معارضة القوى الدولية والعربية المعارضة أساساً للمساعي التي تريد تعويم الأسد كقطر والسعودية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المعارضة لأي خطوة من شأنها إعادة الشرعية لنظام الأسد.
في الختام، يبقى الملف الإنساني عرضة للمساومات السياسية وورقة ضغط كان ولا يزال الأسد يستخدمها في محاولاته لإبقاء نظامه قائماً، الأمر الذي نجمت عنه تداعيات خطيرة زادت من معاناة الشعب السوري أجمع.