الخابور - سالم المسلط
منذ بدء الثورة السورية عام 2011 اختارت روسيا لنفسها أن تكون في صفوف أعداء الشعب السوري، وبدأت تعمل رفقة نظام الأسد على إفشال الثورة ودعم نظام الأسد في المحافل الدولية، وفي جلسات مجلس الأمن المنعقدة حول سوريا. وخلال 11 عاما استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) 17 مرة حول قرارات تخص السوريين في مجلس الأمن؛ فكانت عثرة أمام تمرير أي قرار من شأنه التأثير على نظام الأسد، رغم أنه تعامل بوحشية وإجرام بحق المطالبين بالحرية منذ اليوم الأول من الثورة السورية؛ فشكل الدعم السياسي الروسي درعا دولية لنظام الأسد، وفتح المجال أمامه لارتكاب المزيد من الجرائم، لا سيما مع عدم وجود رغبة دولية حقيقية في التعامل الحازم مع الأسد لقاء جرائم الحرب التي ارتكبها.
لقد بدا واضحا منذ اندلاع الثورة السورية أن روسيا فضلت وجود النظام على مصلحة سوريا والسوريين وتطلعاتهم إلى الحرية والكرامة، وبذلت طاقتها لبقاء الأسد في السلطة، من مبدأ أن الدول القمعية الدكتاتورية تؤيد بعضها البعض حرصا على بقائها.
الدعم السياسي ساعد نظام الأسد، لكنه لم يكن كافيا لمنعه من السقوط أمام ضربات ثوار سوريا في مختلف المحافظات السورية، فتدخلت روسيا عسكريا لصالح الأسد في 30 سبتمبر/أيلول 2015، لتشارك نظام الأسد في جرائمه بحق السوريين في المناطق التي استطاع ثوار سوريا تحريرها.
دخول روسيا إلى المنظومة الإجرامية في سوريا زاد القدرة التدميرية لدى المنظومة بشكل كبير جدا، مما سمح لها باتباع سياسة الأرض المحروقة لهدم المدن السورية وتهجير أهلها وإجبار الثوار على التراجع؛ ليتمكنوا من السيطرة على المنطقة المستهدفة بعد تدميرها؛ إذ شنت القوات الروسية أكثر من 5500 هجوما على المناطق المحررة منذ بدء تدخلها، حسب إحصاءات نُشرت العام الفائت.
تعمل روسيا في سوريا على منهج إجرامي غير مكترثة بأرواح المدنيين أو المشافي والمدارس والبنى التحتية السورية، كل اهتمامها كان ضرب مناطق الثوار وإجبارهم على التراجع والحفاظ على مصالحها في الساحل السوري، وهذه الإستراتيجية الإجرامية تسببت في مقتل أكثر من 12 ألف مدني سوري، حسب إحصاءات سابقة للدفاع المدني السوري أعدها في سبتمبر/أيلول 2021.
تخاذل المجتمع الدولي منذ بداية الأمر مهّد طريق روسيا لاستخدام أسلحة محرمة دوليا وتجريب صواريخها على رؤوس المدنيين السوريين، فاستخدمت القنابل العنقودية والصواريخ الفراغية وطائرات مسيرة ومدفعيات كراسنوبول، وهجّرت ملايين السوريين تحت تأثير هذه الضربات. مشاهدة بضع دقائق عن الدمار الذي حصل في حلب الشرقية والغوطة وغيرهما من المحافظات السورية يغني عن كلام كثير عن تعامل روسيا مع المدن التي كان الثوار يسيطرون عليها.
هذا الصمت المُستغرَب من المجتمع الدولي فتح المجال لروسيا لشن حرب على أوكرانيا، لتكرر شيئا من إجرامها على مدن أوكرانيا وشعبها، مستهدفة المدارس والمنشآت بوحشية أيقظت العديد من الكتاب والسياسيين الأوروبيين ليقولوا "يحدث الآن في مدن أوكرانيا مثلما حدث في حلب السورية". هذا من دون الخوض في اختلاف التعاطي الدولي حيال الجريمتين الروسيتين.
التدخل الروسي في سورية وقَلبُ موازين القوى على الأرض مع غياب الرغبة الدولية في إنصاف السوريين؛ عقّد الملف السوري وعرقل طريق الحل السياسي بالقوة، وذلك مع سياسة روسيا التي تصر على الحسم العسكري لصالح نظام الأسد وتجميد العملية السياسية عبر توجيهها لنظام الأسد باستخدام أساليب المماطلة وخلق العثرات في كل ما يتصل بالعملية السياسية السورية.
تعلم روسيا جيدا أن خروجها من سوريا سيهدد نظام الأسد مجددا، لذلك اعتمدت على المليشيات الإيرانية لا على قوات الأسد لتغطية مواقعها التي انسحبت منها نتيجة حاجتها إلى المزيد من القوات في أوكرانيا بسبب تعثر عملياتها العسكرية واستنزاف جزء من قوتها هناك؛ وهذا كله يشير إلى هشاشة نظام الأسد رغم كل الدعم الذي تلقاه من روسيا وإيران وغيرهما.
الآن، دخلت السنة الثامنة للوجود العسكري الروسي في سوريا، وما تزال المطالب الشعبية ذاتها. لن يقبل الشعب السوري بأقل من إسقاط نظام الأسد ونيل الحرية، ولا يمكن لقوى الثورة السياسية التنازل أو المساومة على أي مبدأ ضحّى لأجله السوريون بدمائهم. الجميع يعلم مدى الخذلان الدولي الذي تعرض له أحرار سوريا، لكن أبواب الأمل لم تغلق بعد، ولا خيار سوى النصر للثورة السورية العظيمة. الظلام الذي يخيم على سوريا بسبب نظام الأسد وحلفائه سيزول بلا شك، ولن تكون سوريا لغير أهلها المخلصين الذين يحلمون بالحرية والعدالة، وما يزالون يناضلون في سبيل تحقيق الحلم.
المصدر: الجزيرة نت