الخابور - صالح موسى الحمزة
نصف قرن من المعاناة مرت على السوريين نمت لديهم خلالها حاسة سادسة إنفردوا بها عن بقية البشر. _ بعيدا عن جدلية الإرتقاء والتطور وفلسفة الوجوديون _ هذه الحاسة تشبه مثيلاتها المتواجدة عند الحيوانات التي تستشعر الخطر قبل حدوثه .
قبل إنفجار البراكين أو حدوث الزلازل تتراكض الحيوانات بشكل غريزي مبتعدة عن مركز البركان أو الزلزال وهذا كله قبل أن تتلقى أجهزة الرصد الحديثة أي إشارة بحدوث زلزال أو بركان .
هذه الحاسة ذاتها نمت وصقلت وترسخت في اللاشعور الجمعي عند أغلب السوريين ، بعد أن نثرتهم الحرب على كل أصقاع المعمورة والسوريون يدركون اليوم أن :
أجهزة المخابرات واحدة في كل دول العالم بلا إستثناء وكأنما رضعت من ثدي واحد .
وأن رجال الشرطة يتشابهون في المضمون وإن اختلفت ألسنتهم أو ازياؤهم أو إشاراتهم أو أشكالهم .
وأن السياسيون هم السياسيون في كل عصر ومكان قبل الإنتخابات وبعدها في واشنطن وفي الحسكة .
والتجار هم ذاتهم في الصين وفي سوق الحميدية والجيش هو الجيش ذاته في هولندا أو في حمص وإن قلمت أظافره في الأولى ولكنها قابلة للنمو والخمش في أي وقت .
هذه الحاسة السادسة حاسة الإستشعار عن بعد والمقدرة على إدارك الخطر قبل وقوعه : فطرية عمياء ناقصة تتنبأ بالخطر فقط ولكنها لا تجد الحل ، الكل يجيد التحدث عن المشاكل ولكن قلما تجد أحد يحدثك عن الحل وهذه سمة عامة لدى كل البشر فالعقل البشري بطبيعته يسخر 90% منه للتفكير في المشكلة و 10% منه فقط للحل ولذلك نرى دائما أن المشاكل كثيرة والحلول قليلة .
القدرة على إيجاد الحل أو صنعه ليست بالأمر المعقد فالمشاكل التي لا حل لها لم تولد بعد دائما هناك حل « علمه من علمه وجهله من جهله » .
جورج برنارد دانتزغ ذلك الشاب الأمريكي الذي دخل قاعة المحاضرات متأخرا فوجد على لوح الكتابة معادلة غير محلولة. نسخها وافترض أن هذه هي واجبه المنزلي.. هكذا عاد لداره وسهر حتى أتم حل هذه المعادلة وقدمها لأستاذه في اليوم التالي.. أصيب الأستاذ بالذهول وطلب الفتى ليخبره بالحقيقة : هذه المعادلة لا حل لها أو هكذا اعتقد أساتذة الرياضيات عبر التاريخ، وقد كتبها الأستاذ على لوح الكتابة كنموذج للمعادلات مستحيلة الحل.. الطالب الذي لم يعرف هذه الحقيقة حلها في ليلة واحدة!! .
وفي قصة أخرى عن طالب أميركي عابث لاه، طلب منه أستاذه بحثاً في الفيزياء موضوعه (إمكانية أن تتمكن مجموعة إرهابية من صنع قنبلة )
. هذا البحث كان فرصته الأخيرة قبل الطرد من الكلية نهائياً.. هكذا عمل الطالب بجد على هذا البحث وسهر كثيرا جدا.. في النهاية تمكن من تقديم البحث لقسم الفيزياء بعد أسبوعين، وكل همه ألا يرسب نهائيا ويطرد من الكلية. بعد يومين فوجئ بمن يزرونه من رجال CIA ورجال FBI ومهمتهم معرفة هل هناك جهات أجنبية قدمت له معلمومات بصدد هذا البحث.. لقد توصل الفتى بالفعل إلى طريقة عمل القنبلة الذرية! وبالطبع صودر البحث وإن سمحوا للفتى بأن يكتب كتاباً عن قصته هذه دون ذكر تفاصيل. هذا الخبر كان مشهوراً جداً في الثمانينات وكتبت عنه الصحف كلها. الفتى الذي كان يجاهد كي لا يرسب توصل إلى اللغز الذي تدفع أجهزة المخابرات في العالم كله الملايين كي لا تعرفه .
المشكلة السورية ليست أكثر تعقيدا من المشاكل التي أصابت الدول بعد الحرب العالمية الثانية من حجم الخسائر المدنية و العسكرية ، روسيا وحدها خسرت 24،000،000 مليون انسان مابين مدني وعسكري والصين خسرت 20،000،000 مليون مدني وعسكري أما المانيا فقدرت خسارتها 8،800،000 مليون ألماني مابين مدني وعسكري ومفقود و بولندا 5،600،000 مليون انسان و اليابان3،100،000 مليون مابين جندي ومدني ومفقود ناهيك عن عدد الجرحى والبنى التحتية المعدومة وحياة إقتصادية مشلولة وهذا كله فقط في ست سنوات من الحرب ومع ذلك استطاعت هذه الدول أن تنفض عن نفسها غبار الموت والدمار وتضع سياسة تنموية عاجلة إستطاعت خلال عشر سنوات فقط الوقوف على قدميها بثبات وقوة ، وإنشاء منضومات علمية و سياسية وإقتصادية تؤثر بالإقتصاد العالمي وتفرض نفسها على السياسة العالمية من جديد .
القضية السورية ليست بأعقد من القضية اليابانية والألمانية وكثير من الدول التي أحرقتها الحرب العالمية الثانية .
الحل في سوريا إرادة ذاتية أكثر منه معطيات خارجية ، الحل بين أيدينا بعد ان أدركنا عمليا كل المشاكل .
إلى اللحظة لا توجد مرجعية سياسية أو عسكرية واحدة اتفق عليها السوريين ونالت ثقتهم ولو بنسبة 50% كل الهيئات والمنظمات التي أحدثت كانت مرتبطة بأجندات خارجية مدعومة من مشغلين لايهمهم سوى مصالح دولهم فقط .
إستطاعت طالبان أن ترغم اقوى دولة في العالم على اللجوء إلى طاولة المفاوضات و فرض شروطها عليها لأنها تمتلك مرجعية شعبية وسياسية ذات رؤية مشتركة واضحة .
جماعة الحوثي أيضا استطاعت قلب الباطل إلى حق وفرضت هيمنتها وشروطها على دول التحالف الخليجي وتحولت من الدفاع إلى الهجوم وهي اليوم تهدد مصالح السعودية في العمق ، لأنها تمتلك رؤية واضحة وهدف محدد ومرجعية سياسية وعسكرية واحدة بعيدة عن التبعية للخارج والفصائلية وأمراء الحرب ومصالحهم الضيقة .
يقف هدف السوريون عند إسقاط النظام فقط وماذا بعد ذلك ؟ إسأل أي سياسي أو عسكري أو مثقف لن تجد جوابا شافيا واحدا متفق عليه وكثير من الأجوبة قد تكون ( ندبر حالنا و خليه يسقط وبعدها فرج ورحمة ) .
بداية الحل في المعضلة السورية تكون في إيجاد مرجعية سياسية عسكرية معتمدة من أبناء الشعب تمتلك رؤية واضحة وهدف محدد تنطلق من مصلحة الشعب السوري بعيدة كل البعد عن التبعيات الدولية والأجندات الخارجية .
بمجرد وصول الشعب السوري إلى هذه المرجعية الواحدة المعتبرة سوف تهرع الدول القريبة والبعيدة إلى طلب الرضا وتقديم الهدايا والهبات وعرض الخدمات و طلب
« الصفح والعفو » .