(سامر الأحمد)
أثناء مداهمة نفذتها "الأسايش"، القوات الأمنية في حزب "الاتحاد الديموقراطي"، في حي النشوة الغربية من مدينة الحسكة ذي الأغلبية العربية، الأربعاء، بحثاً عن مطلوبين لـ"التجنيد الاجباري" في "قوات الدفاع الذاتي"، هربت مجموعة من الشباب العرب منها. "الأسايش" أطلقت النار بشكل عشوائي، ما أدى إلى حدوث اصابات.
وقبل أسبوع، وللمرة الأولى منذ إعلان "وحدات حماية الشعب" الكردية، الجناح العسكري لحزب "الاتحاد الديموقراطي"، سيطرتها على معظم محافظة الحسكة، قامت مجموعة من الشباب من عشيرة الشرابيين العربية بالانشقاق عنها، ما دفع دوريات من "الوحدات" لاقتحام قرية تل شعير التابعة لناحية تل تمر، شمالي الحسكة، للبحث عنهم. المواجهة المسلحة بين الطرفين، اسفرت عن مقتل عدد من عناصر "الوحدات" وشابين من أبناء القرية، وفرار آخرين واعتقال عدد آخر بينهم سيدة.
وسبق ذلك محاولات لرفض عمليات "التجنيد الاجباري" التي يحاول "الاتحاد الديموقراطي" فرضها على أبناء المنطقة، خاصة بين أبناء العشائر العربية. كما أنه أعاد التساؤلات بقوة إلى العلاقة بين مختلف المكونات في الجزيرة السورية، خاصة العشائر العربية والعوائل الكردية، في ظل ما تشهده من سيطرة "وحدات الحماية" المسلحة.
وبدأت العلاقة العربية-الكردية في الجزيرة بالتبلور، من الناحية السياسية مع الثورة السورية في العام 2011، إذ كان التقارب السياسي الأول العلني بين العرب والأكراد في الجزيرة، بعد عقود من منع النظام لمثل ذلك التواصل. ومن خلال المشاركة في تظاهرات موحدة، فُتحت أبواب النقاش حول الأفق السياسي للمنطقة.
وعندما دخل الجيش الحر مدينة رأس العين في تشرين الثاني 2011، رفضت ذلك "الهيئة الكردية العليا" المكونة حينها من ممثلين من الأحزاب الكردية، رغم وجود بعض المقاتلين الأكراد مع فصائل الجيش الحر. الشرخ العربي الكردي توضح مع اندلاع الاشتباكات بين "جبهة النصرة" و"وحدات حماية الشعب"، في رأس العين، والتي انتهت بإخراج الحر و"النصرة" من المدينة في العام 2013. وأنتجت تلك الاشتباكات خطاباً جديداً دفع الطرفين للافتراق عن بعضهما. الصحافي الكردي سردار ملا درويش، قال لـ"المدن"، إن ما حصل في رأس العين هو محاولة لضرب العلاقة الكردية العربية، وتتحمل العسكرة المسؤولية عن ذلك لأنها حملت أفكاراً راديكالية مختلفة عن أفكار أهل المنطقة، وعلاقاتهم. وأسهمت بعض التيارات السياسية لاحقاً في تأجيج الوضع القائم، وأدى ذلك إلى ظهور شرخ كبير وبروز تخوف متبادل من الجانبين.
بعد ذلك هاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" عدداً من المناطق الكردية السورية ومنها رأس العين في العام 2014، واستهدف بعض المدن بالمفخخات ومنها القامشلي، واستولى على مدينة الحسكة لمدة اسبوعين في العام 2015. "وحدات حماية الشعب" ورداً على اعتداءات "داعش" قامت بتهجير سكان عدد من القرى العربية، بالقرب من تل حميس، ليتعمق الشرخ أكثر فأكثر.
ومع خسارة تنظيم "الدولة" لمعظم المناطق في الجزيرة السورية، منذ مطلع العام 2016، عادت العلاقات لتأخذ مكانها الطبيعي من جديد بين العشائر العربية والعوائل الكردية، وبدأت تظهر بوادر حالات اجتماعية جديدة في الجزيرة السورية، عبر اختلاط آلاف العوائل العربية النازحة من مناطق الصراع العسكري جنوبي الحسكة إلى القامشلي والدرباسية ورأس العين.
وتبرز أهم الإشكاليات في التخوف المتبادل بين العشائر العربية والكردية على مصيرها في المنطقة. ومن وجهة نظر العشائر العربية فإن سلطة "الإدارة الذاتية" هي سلطة كردية مطلقة، تسعى إلى تهجير العرب، وإعلان الانفصال أو الانتقام. وقد برز هذا واضحاً، في ممارسات "الإدارة الذاتية" كتغيير أسماء كثير من القرى والأماكن العربية إلى أسماء كردية، وتنفيذها حملات "التجنيد الاجباري". ولاحظ الأهالي مؤخراً أن القتلى من الشباب العرب المنخرطين في "وحدات الحماية"، يتم استبدال اسمائهم بأسماء كردية مستعارة، ولا يسمح للأهل بدفن ابنائهم القتلى في مناطقهم، بل يتم أخذ الجثامين لدفنها في "مقابر الشهداء". سلوكيات بدأت تثير استياء العشائر العربية.
ملا درويش يؤكد لـ"المدن"، أن هذه الفكرة خاطئة، لأن "الإدارة الذاتية" أصلاً لا تقدّم نفسها كسلطة كردية، ولا تنادي في مبادئها بالانفصال، وانما بالفيدرالية. وأشار سردار إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في التحريض الممارس من قبل من يعيشون خارج الحسكة، ويجهلون الواقع الحالي تماماً.
أما الأكراد من جانبهم فبدأ يتجدد عندهم الخوف من أفكار بعض السياسيين والناشطين التي تحاول تهميشهم والتقليل من قضيتهم في سوريا، وعدم الاعتراف بعدالة القضية الكردية في سوريا المستقبل، خاصة مع بروز خلافات حادة بين مختلف قوى المعارضة مع الأحزاب الكردية، ولعل أخرها ما تجسد في انسحاب ممثلي "المجلس الوطني الكردي" من وفد المعارضة في جنيف.
ويُبرر المعارض السياسي عبد القادر عاكوب، هذه التخوفات، بالقول لـ"المدن"، إن التخوف موجود عند العرب والاكراد، وهو أمر واقع من كل المكونات، وذلك خوفاً من مآلات الأحداث والمستقبل عند كل الأطراف. فهناك من يخاف التقسيم أو التطرف أو عودة الاستبداد بقناع ديني أو قومي، وبالتالي تعيش المكونات الاجتماعية وسط توتر وقلق ما يشل الفاعلية الاجتماعية.
ورغم هذه التخوفات، فقد تكونت علاقات اجتماعية من نوع جديد شمالي الجزيرة السورية، بعد لجوء آلاف العوائل العربية هرباً من المعارك بين "الوحدات" و"داعش"، إلى القامشلي وأرياف عامودا والدرباسية ذات الغالبية الكردية. وقد تطورت الحوارات بشكل كبير بين الطرفين، حتى أن الكثير من العوائل العربية باتت تعرف القضية الكردية، وتعترف بعدالة مطالب الأكراد السوريين ومظلوميتهم التي يتحملها النظام قبل كل شيء. كما أن هذه العلاقات قد تطورت في بعض الأحيان إلى درجة المصاهرة والنسب. وهذا ما يؤكده لـ"المدن" القاضي المنشق عن النظام ابن مدينة عامودا إبراهيم الحسين، بالقول: "يدرك العرب كما الأكراد أن الانتهاكات الممنهجة التي ارتكبتها مختلف أطراف الصراع في الجزيرة من النظام وداعش والإدارة الذاتية قد مست كل الأطراف وبالتالي لا يتحمل أي مكوّن وزر ما فعله طرف آخر ربما يظهر أنه محسوب على مكون محدد".
ويضيف الحسين "يجب التنبه بوعي إلى أن محاولات الأطراف المستبدة في إشعال الفتنة العربية الكردية ستستمر لأنها بالأساس تقوى وتتمكن أكثر في الأجواء الحالية الأمر الذي يستدعي ألا نركن فقط لطيبة أبناء الجزيرة بل لا بد من القيام بجهد كبير لإفشال كل المحاولات".
تبقى العلاقة العربية الكردية مستقبلاً مثار جدل بين مختلف الناشطين والسياسيين، فمن يراقب الحالة التي وصلت لها درجة التحريض بين الطرفين في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المحلي، يحسب أن الحرب الأهلية ستندلع في أي لحظة بين مكونات الجزيرة، على الرغم من أن معظم السكان هناك يتعايشون بشكل يومي، متحملين ممارسات جميع سلطات الأمر الواقع المفروضة عليهم. ولم تُسجل في المنطقة حتى الآن أي حالات ثأرية من قبل العشائر العربية بحق المدنيين الاكراد، بسبب ممارسات "وحدات الحماية"، وينطبق ذلك على العوائل الكردية التي لم تحمل العرب وزر "داعش".
العرب والأكراد في الجزيرة السورية حافظوا حتى الآن على مسافة الأمان المطلوبة، اللازمة للحفاظ على السلم الأهلي، رغم كل المخاوف والخلافات السياسية.
المصدر: جريدة المدن